إعداد علي حشيش
قصة الملائكة في شهر رمضان مع أمة محمد صلى الله عليه وسلم
نواصل في هذا التحذير تقديم البحوث العلمية الحديثية للقارئ الكريم حتى يقف على حقيقة هذه القصة التي اشتهرت عن طريق مؤرخي الرافضة واختلقوا مثالب لأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وصاغوها على هيئة حكايات وأشعار لكي يسهل انتشارها بين المسلمين واشتهرت هذه الحكايات بين القصاص، ومما ساعد على ذلك خبث الروافض وكيدهم، حيث إنهم عندما يريدون الطعن في أحد من الصحابة يصوغون هذا الطعن في صورة رقائق يبكي لها العوام مثل قصة موت الصحابي عمرو بن العاص رضي الله عنه التي بيناها في هذه السلسلة والتي إذا نظر من لا دراية له بهذا العلم نظر بعين واحدة إلى ما فيها من رقائق، ولكن خبث الروافض جعل على العين الأخرى غشاوة الرقائق فلم تنظر إلى ما في القصة من طعن في الصحابي عمرو بن العاص رضي الله عنه وجعل روحه تنزع كنزع روح الكفرة الفجرة.
وإن تعجب فعجب أن كثيرًا من القصاص والوعاظ والكُتاب يروجون لهذه القصص، وبمثل هذا الخبث وضع هذا الرافضي صاحب قصة وفاة عمرو بن العاص، قصة أخرى تطعن في عمرو بن العاص رضي الله عنه في صورة يذكر فيها شجاعة علي بن أبي طالب رضي الله عنه، فمن لا دراية له بهذا العلم ينظر بعين واحدة أيضًا إلى ما فيها من شجاعة لعلي رضي الله عنه، ولكن خبث الروافض أيضًا جعل على العين الأخرى غشاوة فلم تنظر إلى ما في القصة من طعن في الصحابي عمرو بن العاص رضي الله عنه.
أولاً: المتن
ومما زاد هذه القصة انتشارًا أن هذه القصة أوردها الكاتب عباس محمود العقاد في كتابه «عمرو بن العاص» (ص238، 239- طبعة دار الكتب- بيروت - لبنان)، حيث قال:
«وكان علي رضي الله عنه كثيرًا ما يتقدم بين الصفوف داعيًا إلى المبارزة، فبدا له يومًا أن يدعو معاوية لمبارزته فأيهما غلب فالأمر له، وتحقن دماء الناس، فنادى: يا معاوية، فقال هذا لأصحابه: اسألوه ما شأنه؟ قال: أحب أن يبرز لي فأكلمه كلمة واحدة. فبرز معاوية ومعه عمرو، فلما قارباه لم يلتفت إلى عمرو، وقال لمعاوية: ويحك علام يقتتل الناس بيني وبينك ؟ ابرز إليّ، فأينا قتل صاحبه فالأمر له، فالتفت معاوية إلى عمرو فقال: ما ترى يا أبا عبد الله ؟ أبارزه؟ فقال عمرو: لقد أنصفك الرجل، واعلم أنك إن نكلت عنه لم تزل سُبة عليك وعلى عقبك ما بقي عربي، فقال معاوية: يا عمرو ليس مثلي يخدع نفسه، والله ما بارز ابن أبي طالب رجلاً قط إلا سقى الأرض من دمه. ثم تلاحيا وعزم معاوية على عمرو ليخرجن إلى علي، إن كان جادًا في نصحه، ولم يكن مغررًا به طمعًا في مآل أمره، فلما خرج للمبارزة مكرهًا وشد عليه عليُّ المرهوبة، رمى عمرو بنفسه عن فرسه، ورفع ثوبه وشَغَرَ برجليه فبدت عورته فصرف عليٌّ وجهه عنه وقام معفرًا بالتراب هاربًا على رجليه، معتصمًا بصفوفه». اهـ.
قلت: والكاتب العقاد الذي فتن الكثيرون بكتابته، حتى اتخذها هؤلاء حقائق افتقر منهجه إلى البحوث العلمية الحديثية: فالأحاديث والآثار التي أوردها عن الصحابة رضي الله عنهم وهو يترجم لهم خلت من أصول علم الحديث من التخريج والتحقيق، وهذه القصة التي تطعن في الصحابي عمرو بن العاص رضي الله عنه تبين للقراء عامة ولطالب هذا الفن برهان ما ذهبنا إليه، حيث أوردها من غير تخريج ولا تحقيق.
وإن تعجب فعجب أن العقاد عقَّب على القصة بشيء عجيب هو طعن في الصحابي عمرو بن العاص رضي الله عنه فوق طعن الرافضة حيث قال: «ولكنه - أي عمرو بن العاص - لا يحارب عليّا وله أمل في الشهادة قاتلاً أو مقتولاً، أو ثقة بالحق تعوضه عن خسارة الدنيا، وليس بالعجيب من طبيعة عمرو أن يلوذ بالحيطة غير حافل بمقال الناس إذا خاف على حياته، وأيقن من ضياع دينه ودنياه».
قلت: انظر إلى تحليل العقاد لكشف عمرو بن العاص عورته في وجه علي بن أبي طالب ولا يدري أن القصة واهية.
وإلى القارئ الكريم التخريج والتحقيق:
ثانيًا التخريج والتحقيق
القصة أخرجها نصر بن مزاحم الكوفي في كتابه «وقعة صفين» (ص406- 408)، ويزيدها بالأشعار لعمرو ثم معاوية.
1- قال الإمام الذهبي في «الميزان» (4/253/9046): نصر بن مزاحم الكوفي عن قيس بن الربيع وطبقته رافضي جَلْد تركوه.
2- قال الإمام العقيلي في «الضعفاء الكبير» (4/300/9046): «نصر بن مزاحم: كان يذهب إلى التشيع وفي حديثه اضطراب وخطأ كثير».
3- وأقر هذا الإمام الذهبي في «الميزان»، ثم نقل عن أبي خيثمة أنه قال: نصر بن مزاحم كان كذابًا.
4- قال ابن أبي حاتم في «الجرح والتعديل» (8/468/2143): سألت أبي عن نصر بن مزاحم العطار المنقري سكن بغداد قال: «واهي الحديث متروك الحديث لا يكتب حديثه».
5- وذكر له الإمام ابن عدي في «الكامل في ضعفاء الرجال» (7/37) (19/1972) أحاديث وقال: «هذه وغيرها من أحاديث عامتها غير محفوظة». اهـ.
6- وقال الحافظ في «لسان الميزان» (6/188) (55/8788): «وقال العجلي: كان رافضيًا غاليًا.. ليس بثقة ولا مأمون. وقال الخليلي: ضعفه الحفاظ جدًا».
7- أورده الإمام الدارقطني في كتابه «الضعفاء والمتروكين» (ت547) وقال: «نصر بن مزاحم المِنْقري، كوفي».
قلت: ويظن من لا دراية له بهذا الفن أن الدارقطني سكت عنه ولكن هيهات، فلقد بيَّن الإمام البرقاني في مقدمة الكتاب القاعدة التي بنى عليها حيث قال:
«طالت محاورتي مع ابن حمكان لأبي الحسن علي بن عمر الدارقطني عفا الله عني وعنهما في المتروكين من أصحاب الحديث فتقرر بيننا وبينه على ترك من أثبته على حروف المعجم في هذه الورقات».
قلت: وبهذا يتبين أن نصر بن مزاحم متروك عند الأئمة حيث أثبت على حروف المعجم في هذه الورقات من كتاب الضعفاء للدارقطني برقم (547).
وبهذا يتبين أن نصر بن مزاحم صاحب هذه القصة أنه رافضي كذاب ومتروك ليس بثقة ولا مأمون وتصبح بهذا القصة واهية من وضع الرافضة.
ثالثًا: طريق آخر للقصة
والقصة جاءت من طريق ابن الكلبي أيضًا كما ذكر ذلك السهيلي في «الروض الأنف» (5/462).
وابن الكلبي: هو أبو المنذر هشام بن محمد بن السائب الكلبي توفي سنة (204هـ).
1- قال الإمام الحافظ ابن حبان في «المجروحين» (3/91):
«هشام بن محمد بن السائب أبو المنذر الكلبي من أهل الكوفة يروي عن العراقيين العجائب والأخبار التي لا أصول لها وكان غاليًا في التشيع أخباره في الأغلوطات أشهر من أن يحتاج إلى الإغراق في وصفها». اهـ.
قلت: انظر إلى قول الإمام ابن حبان «وكان غاليًا في التشيع وكيف وصل به الغلو إلى أن يأتي بخبر لا أصل له يجعل الصحابي عمرو بن العاص رضي الله عنه جبانًا يفر عند المبارزة بل يتقي خصمه بكشف عورته.
2- قال الإمام الحافظ أبو جعفر العقيلي في «الضعفاء الكبير» (4/339/1945): «حدثنا عبدالله بن أحمد، قال: سمعت أبي يقول: هشام بن محمد بن السائب الكلبي من يحدث عنه؟ إنما هو صاحب سمر ونسب وما ظننت أن أحدًا يحدث عنه». اهـ.
3- قال الإمام الحافظ ابن عدي في «الكامل» (7/110- 9/2026): سمعت ابن حماد يقول: حدثني عبد الله، سمعت أبي يقول: هشام بن الكلبي... فذكر ما أخرجه العقيلي.
4- أورده الدارقطني في كتابه «الضعفاء والمتروكين» برقم (563) مما يدل على أن هشام بن الكلبي اتفق الأئمة البرقاني، وابن حمكان والدارقطني على تركه.
5- أورده الذهبي في «الميزان» (4/304/9237).
ونقل عن ابن عساكر أنه قال: «هشام بن محمد بن السائب الكلبي: رافضي ليس بثقة». اهـ.
بهذا يتبين أسباب وضع هذه القصة من الكشف عن عللها التي جاءت من طريق نصر بن مزاحم، ومن طريق هشام بن محمد بن السائب الكلبي، أن كليهما كان رافضيًا غاليًا.
1- والإمام ابن الجوزي في «الموضوعات» (1/38) يبين دواعي الوضع وأصناف الوضاعين فيقول:
«القسم الثاني: قوم كانوا يقصدون وضع الحديث نصرة لمذهبهم». أهـ
2- وقد بَيَّن ذلك السخاوي في «فتح المغيث» (1/300) ثم ذكر الرافضة، ثم قال:
«الرافضة فرق متنوعة من الشيعة وانتسبوا كذلك لأنهم بايعوا زيد بن علي ثم قالوا له تبرأ من الشيخين فأبى، وقال: كانا وزيري جدي صلى الله عليه وسلم فتركوه ورفضوه». اهـ.
3- قلت: وهذا ما بينه شيخ الإسلام ابن تيمية في «الفتاوى» (13/35).
قال: «وأما لفظ الرافضة: فهذا اللفظ أول ما ظهر في الإسلام، لما خرج زيد بن علي بن الحسين في أوائل المائة الثانية في خلافة هشام بن عبد الملك واتبعه الشيعة فسئل عن أبي بكر وعمر فتولاهما وترحم عليهما فرفضه قوم فقال: رفضتموني رفضتموني فسموا الرافضة، فالرافضة تتولى أخاه أبا جعفر محمد بن علي والزيدية يتولون زيدًا وينسبون إليه ومن حينئذ انقسمت الشيعة إلى: زيدية ورافضة إمامية». اهـ.
4- ثم بيَّن ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية في «الفتاوى» (4/435) حيث قال:
أ- «فأبو بكر وعمر أبغضتهما الرافضة ولعنتهما دون غيرهم من الطوائف، ولهذا قيل للإمام أحمد: من الرافضي؟ قال: الذي يسب أبا بكر وعمر وبهذا سميت الرافضة، فإنهم رفضوا زيد بن علي لما تولى الخليفتين أبا بكر وعمر لبغضهم لهما فالمبغض لهما هو الرافضي...».
ب- «وأصل الرفض من المنافقين الزنادقة فإنه ابتدعه ابن سبأ الزنديق وأظهر الغلو في علي بدعوى الإمامة والنص عليها وادعى العصمة له...» اهـ.
جـ- ثم ذكر الأثر السيئ لهم على الحديث في «الفتاوى» (6/289) فقال: «الرافضة كذبوا أحاديث كثيرة جدًا راج كثير منها على أهل السنة وروى خلق كثير منها أحاديث حتى عسر تمييز الصدق من الكذب على أكثر الناس، إلا على أئمة الحديث العارفين بعلله متنًا وسندًا». اهـ.
د- ثم بيَّن مكانهم من الطوائف فقال في «الفتاوى» (4/471): «وبهذا وأمثاله يتبين أن الرافضة أمة ليس لها عقل صريح، ولا نقل صحيح، ولا دين مقبول، ولا دنيا منصورة، بل هم أعظم الطوائف كذبًا وجهلاً ودينهم يدخل على المسلمين كل زنديق ومرتد، كما دخل فيهم النصيرية والإسماعيلية، وغيرهم فإنهم يعمدون إلى خيار الأمة يعادونهم، وإلى أعداء الله من اليهود والنصارى والمشركين يوالونهم، ويعمدون إلى الصدق الظاهر المتواتر يدفعونه، وإلى الكذب المختلق الذي يعلم فساده يقيمونه، فهم كما قال الشعبي - وكان من أعلم الناس بهم - لو كانوا من البهائم لكانوا حُمُرًا، ولو كانوا من الطير لكانوا رخَمًا». اهـ.
والحُمُر جمع حمار كما في قوله تعالى: «كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُسْتَنْفِرَةٌ» [المدثر: 50].
والرخَم: جمع رخمة وهو طائر يأكل العذرة وهو من الخبائث وليس من الصيد. كذا في «المصباح المنير» (ص224).
هكذا افترى الرافضة هذه القصة المكذوبة على علم من أعلام الصحابة رضي الله عنهم دوَّخ أعداء الإسلام وفتح الله على يديه القرى والبلدان.
رابعًا: مكانة الصحابي الجليل عمرو بن العاص
رضي الله عنه
وإلى القارئ الكريم بيان مكانة الصحابي الجليل عمرو بن العاص كما تبينه السنة الصحيحة المطهرة التي تمحو بنورها ظلمات الرافضة وظلمهم:
1- فقد ثبت في مسند أحمد (2/354، 327، 353)، والحاكم (3/452) من حديث محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ابنا العاص مؤمنان».
2- وله شاهد بالإيمان أخرجه أحمد والروياني في مسنده والترمذي من حديث عقبة بن عامر قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «أسلم الناس وآمن عمرو بن العاص».
3- وأورد هذا الشاهد الألباني رحمه الله في «الصحيحة» (1/238) (ح155) وحسنه وأورد حديث أبي هريرة (ح156) وصححه.
ثم قال في «الصحيحة» (1/239): وفي الحديث منقبة عظيمة لعمرو بن العاص رضي الله عنه إذ شهد له النبي صلى الله عليه وسلم بأنه مؤمن فإن هذا يستلزم الشهادة له بالجنة لقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح المشهور: «لا يدخل الجنة إلا نفس مؤمنة». متفق عليه... وعلى هذا فلا يجوز الطعن في عمرو رضي الله عنه كما يفعل بعض الكتاب المعاصرين وغيرهم من المخالفين - بسبب ما وقع له من الخلاف... اهـ.
قلت: مما أوردناه آنفًا يتبين أن هذه القصة واهية تطعن في الصحابي المؤمن الشجاع الذي لم يجد شياطين الرفض شيئًا يصمونه به إلا هذه القصة المكذوبة لتنال من هذا الصحابي الجليل.والله من وراء القصد.
مجلة التوحيد
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق