الأربعاء، 20 مارس 2013

لا أستطيع الخشوع علما باني أتجنب المعاصي

لا أستطيع الخشوع علما باني أتجنب المعاصي

فضيلة الشيخ
لدي مشكلة وهي أنني لا أستطيع الخشوع علما باني أتجنب المعاصي وأفعل الطاعات . كلنا نعرف أن الصلاة عمود الدين وإذا صلحت الصلاة صلح العمل كله ، وإذا فسدت فسدت سائر الأعمال
أتعبتني هذي المشكلة كثيرا منذ أن ارفع يدي للتكبير للصلاة تتوالى الأفكار علي والهواجيس

وكل أحداث مرت عليّ في اليوم وأمس وقبل سنوات وخطط مستقبليه وأُألّف قصص بل روايات، وإذا تعوذت من إبليس لا ينقطع التفكير بل أفكر بأمور دينيه مثل فكرة هداية كيف أنصح فلانة أو أحاديث نبوية أو مقدمة رسالة دعوية وفي الفترة الأخيرة سئمت من هذه الحال وأنه من المستحيل الخشوع .

فأصبحت أفكر بأن صلاتي مردودة عليّ وأن الله لن يقبلها، وكلنا نعرف أن المؤمنين هم اللذين في صلاتهم خاشعون . هل أنا لست منهم ؟وكذلك عند قراءه القرآن أو في المحاضرات أو سماع قصة مؤثرة أو نصيحة فلا أتأثر ، ولا أذكر أنني قد بكيت متأثرة بشي قط .

حتى في دعاء التراويح في رمضان اتباكى واظهر الخوف والرهبة والرجاء وجامعه كل ما أستطيع للخشوع ، ولكن لا أبكي أو أتأثر حتى في الأمور الحياتية العادية . هل أنا قاسيه القلب ؟وهل أنا من اللذين وصفهم الله بان قلوبهم كالحجارة أو أشد قسوة ؟

ما هو الحل وكيف النجاة ؟وأين الخلل ؟وهل تنتفي عني صفه الإيمان ؟ومن هم اللذين إذا سمعوا آيات الله وجِلَتْ قلوبهم . ماذا يفعلون ؟ وما هي صفاتهم ؟ وأي طريق يسلكون ؟ وماذا بشأن صلاتي ؟

أفيدوني أدخلكم الله فسيح جناته .



الجواب /

وإياك. وأعانك الله
الإحساس بالمشكلة بداية الحلّ، ويكفي إحساسك بأهمية الخشوع ، ومُجاهدة نفسك على التماسه وطلبه، وحضور القلب والتلذّذ بالطاعة لا يحصل ولا يتأتّـى إلا بالمجاهدة .ولذا جاء عن بعض السلف أنه قال : جاهدت نفسي عشرين سنة على قيام الليل ، وتلذّذت به بقية حياتي .

أيتها الكريمة :
الوسواس في الصلاة ينقسم إلى قسمين :

الأول : وسواس قسري ، وهذا لا يَـدَ للمصلِّي فيه .

الثاني : وسواس اختياري .

ويُقال مثل ذلك في حديث النفس الذي قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم بعد أن توضأ : من توضأ نحو وضوئي هذا ثم صلى ركعتين لا يُحدِّث فيهما نفسه غفر الله له ما تقدم من ذنبه . رواه البخاري ومسلم .

فحديث النفس القسري لا يدخل في هذا لأنه لا يُمكن دفعه ، ولا يد للإنسان فيه ، بخلاف ما ينساق معه الإنسان ، ويستطيع دفعه ومنعه بالاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم والنفث عن يساره .

ولذا لما أتى عثمان بن أبي العاص النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله إن الشيطان قد حال بيني وبين صلاتي وقراءتي يلبسها عليّ . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ذاك شيطان يقال له خنـزب فإذا أحسسته فتعوذ بالله منه ، واتفل على يسارك ثلاثا . قال : ففعلت ذلك فأذهبه الله عني . رواه مسلم .

فخذي بهذه الوصية النبوية يُذهب الله عنك الشيطان .ولتكوني على ثقة من الله أن الله سوف يُذهبه عنك ويردّ كيده ( إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا )

وليس من شرط صحة الصلاة أو قبولها أن تخشعي فيها ، فالخشوع ليس ركنا من أركان الصلاة ولا من واجباتها ، ولكن كلما خشع المصلي كلما كانت صلاته أتم وأكمل .ومن لم يخشع في صلاته فلا ينتفي عنه وصف الإيمان .وإذا أردت الصلاة وأردت الخشوع فيها فعليك بما يلي :

أولاً : استعدي للصلاة من سماع الأذان أو قبله بقليل .

ثانياً : اتخذي لك مصلّى لا يكون بقربه إزعاج أطفال ، ولا حديث متحدّث ، وليس فيه صور ذوات أرواح .

ثالثاً : فرّغي ذهنك مما يشغله من عمل البيت أو من حاجة البدن .ولذا قال عليه الصلاة والسلام : لا صلاة بحضرة الطعام ، ولا هو يدافعه الأخبثان . رواه مسلم .

رابعاً : اجلسي في هذا المصلَّى ، وصلِّي ركعتين ، لقوله عليه الصلاة والسلام : بين كل أذانين صلاة . قالها ثلاثا ثم قال في الثالثة : لمن شاء . رواه البخاري ومسلم . اقرئي ما تيسر لك من القرآن ، ولو من قصار السور ، فهذا أقرب لحضور القلب ونُفرة الشيطان .

خامساً : ابتعدي قدر الإمكان عن الزخارف والنقوش سواء كان ذلك في ثياب الصلاة أو في سجادة الصلاة أو في الجدران .

وقد صلّى رسول الله صلى الله عليه وسلم في خميصة ذات أعلام ( خطوط ) فنظر إلى علمها ، فلما قضى صلاته . قال : اذهبوا بهذه الخميصة إلى أبي جهم بن حذيفة ، وائتوني بأنبجانيه ، فإنها ألهتني آنفا في صلاتي . رواه البخاري ومسلم .

هذا وهو رسول الله صلى الله عليه وسلم فكيف بغيره ؟!

سادساً : احرصي – بارك الله فيك – على تدبّر ما تقرئين في صلاتك ، واستشعري أن رب العزة جل جلاله يُخاطبكِ أنتِ وحدك .قال ابن مسعود : إذا سمعت يا أيها الذين آمنوا فأرعِ لها سمعك ، فإما خيرٌ يأمر به ، وإلا شرٌّ يَنهى عنه .

ومما يُعين على التدبّر والخشوع معرفة المعاني ، واستعيني على ذلك بقراءة شيء من كتب التفسير ، ولو من المختصرات ككتاب : تيسير الكريم الرحمن للشيخ السعدي ، فإن معرفة المعاني تُعين على الفهم والتدبّر والخشوع بل والحفظ .

ثم احرصي على تحريك شفتيك بالقرآن خلال قراءته ، فإنه أبعد عن الوسواس ، ولأن قراءة القلب لا تُسمّى قراءة .لقوله عز وجل في الحديث القدسي : أنا مع عبدي ما ذكرني وتحركت بي شفتاه . رواه أحمد وابن ماجه وعلّقه البخاري .

سابعاً : أقبلي على صلاتك كأنها آخر صلاة في حياتك لقوله صلى الله عليه وسلم : إذا قمت في صلاتك فَصَـلِّ صلاة مودع . رواه أحمد وابن ماجه .

وأما البكاء فإنه ليس كل إنسان يبكي في كل موقف ، بل ربما يبكي في موقف ولا يبكي في آخر . ولذا قال أبو بكر رضي الله عنه : ابكوا ، فإن لم تبكوا فتباكوا .

وقال ابن أبي مليكة : جلسنا إلى عبد الله بن عمرو في الحِجر ، فقال : ابكوا ، فإن لم تجدوا بكاء فتباكوا . لو تعلمون العلم لصلّى أحدكم حتى ينكسر ظهره ، ولبكى حتى ينقطع صوته . رواه الحاكم وصححه .

ومن أراد حضور قلبه ورقّته فعليه بأمور ، منها :
أكل الحـلال . وعدم الإكثار من الأكل يومه ذلك أو ليلته التي يُريد حضور قلبه فيها . عدم الإكثار من الضحك ، لقوله عليه الصلاة والسلام : لا تكثر الضحك ، فإن كثرة الضحك تميت القلب . رواه الإمام أحمد والترمذي .

الدعاء والتضرّع إلى الله تعالى أن يُلين قلبه . وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يستعيذ بالله من قلب لا يخشع . كما عند مسلم في صحيحه . ومن أراد أن يلين قلبه ، وأن تُقضى حاجته فليمسح برأس اليتيم .

قال عليه الصلاة والسلام : أتحب أن يلين قلبك وتدرك حاجتك ؟ ارحم اليتيم ، وامسح رأسه ، وأطعمه من طعامك ، يلن قلبك ، وتدرك حاجتك . رواه الطبراني وغيره .

وكلنا نشكو إلى الله قسوة في قلوبنا ، ونسأله سبحانه وتعالى أن يُلين قلوبنا، وأن يجعلنا من المخبتين الخاشعين . إنه ولي ذلك والقادر عليه .

المجيب الشيخ/ عبدالرحمن السحيم
عضو مكتب الدعوة والإرشاد

ليست هناك تعليقات: