الخميس، 10 أبريل 2014

حكم من شك في خروج الريح منه أثناء الصلاة

حكم من شك في خروج الريح منه أثناء الصلاة

بسم الله الرحمن الرحيم



الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين







السؤال :



كنت أصلي العصر في جماعة ، وكنت أمسك نفسي عن خروج الريح مني عن
طريق العضلات ؛ حتى لا ينفلت الريح مني . وبعد ثواني قليلة توقف ضغط الغاز
عنى ، وذهبنا للسجود ، ثم شعرت بشيء ما عند فتحة الشرج ، ولكني غير متأكد
هل كان ريح حقيقي ، فلم أسمع أو أشم شيئا ، لذا فقد تذكرت القاعدة التي
تقول : بأن اليقين لا يزول بالشك ، وانتهينا من الصلاة .







ولكني لا أعلم هل فعلت الصواب أم لا ؟؛ لأن الغاز ضغط
عليَّ لثوان قليلة قبل الحدث . فهل علي إعادة الصلاة ؟

لماذا أشعر أنني أصلي بدون وضوء ، كل مرة أفكر في القاعدة في مدافعة الأخبثين ؟

هل يجوز لنا استخدام هذه القاعدة في الوساوس في كل شيء في الشريعة ، أم إنها خاصة بالطهارة والصلاة ؟









الجواب :







الحمد لله



أولا :



نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الصلاة مع مدافعة الحدث ، والانشغال بإمساكه عن الخروج .

فعن عائشة رضي الله عنها قالت : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : ( لاَ صَلاَةَ بِحَضْرَةِ
الطَّعَامِ ، وَلاَ وَهُوَ يُدَافِعُهُ الأَخْبَثَانِ ) رواه مسلم ( 560 ) .

قال الإمام النووي رحمه الله تعالى في شرحه لصحيح مسلم ( 5/ 46) :

" فِي هَذِهِ الْأَحَادِيث كَرَاهَة الصَّلَاة بِحَضْرَةِ
الطَّعَام الَّذِي يُرِيد أَكْله ، لِمَا فِيهِ مِنْ اِشْتِغَال الْقَلْب
بِهِ ، وَذَهَاب كَمَالِ الْخُشُوع ، وَكَرَاهَتهَا مَعَ مُدَافَعَة
الْأَخْبَثِينَ وَهُمَا : الْبَوْل وَالْغَائِط " انتهى .







لكن هذه الكراهة خاصة بحالة
الدخول إلى الصلاة وهو يدافع الأخبثين ، أما من دخل إلى الصلاة وهو لا
يشعر بمدافعة الغائط أو البول وإنما شعر بذلك وهو في وسط الصلاة فلا كراهة

حينئذٍ إذا لم تمنعه من إتمام صلاته .












سُئِلت اللجنة الدائمة للبحوث
العلمية والإفتاء : في بعض الأحيان يدافعني الغائط قبل الصلاة وأصلي ولكن
لا يدافعني أثناء الصلاة فهل تقبل صلاتي‏؟‏ وفي بعض الأحيان يجري العكس
فهل تقبل صلاتي‏؟‏








فأجابت اللّجنة :



" لا يجوز للمصلي
أن يدخل في الصلاة وهو يدافع الغائط أو البول لقول النبي -صلى الله عليه
وسلم-‏:‏ ‏(‏لا صلاة بحضرة الطعام ولا وهو يدافعه الأخبثان‏
)‏
أخرجه مسلم في صحيحه، والحكمة في ذلك والله أعلم أن ذلك يمنع الخشوع في
الصلاة ، لكن لو صلى وهو كذلك فإن صلاته صحيحة لكنها ناقصة غير كاملة
للحديث المذكور ولا إعادة عليه‏ ، وأما إذا دخلت في الصلاة وأنت غير مدافع
للأخبثين وإنما حصلت المدافعة أثناء الصلاة فإن الصلاة صحيحة ولا كراهة
إذا لم تمنعك هذه المدافعة من إتمام الصلاة‏ " .



انتهى من " فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء " ( 7 / 25 - 26 ) .

وينظر جواب السؤال رقم : (159503) .





ثانيا :



من شك في خروج الريح منه :
لا
ينتقِض وضوؤه بمجرد هذا الشك ، بل عليه الاستمرار في صلاته ، وصلاته في
هذه الحالة صحيحة ، ولا إعادة عليه إلا إذا تيقن خروج الحدث منه .




روى البخاري ( 137 ) ، ومسلم ( 361 ) عَنْ سَعِيدِ بْنِ
المُسَيِّبِ ، وَعَن عَبَّادِ بْنِ تَمِيمٍ عَنْ عَمِّهِ : " أَنَّهُ شَكَا
إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الرَّجُلُ
الَّذِي يُخَيَّلُ إِلَيْهِ أَنَّهُ يَجِدُ الشَّيْءَ فِي الصَّلاَةِ ،
فَقَالَ: ( لاَ يَنْفَتِلُ- أَوْ لاَ يَنْصَرِفُ- حَتَّى يَسْمَعَ صَوْتًا ،
أَوْ يَجِدَ رِيحًا ) .



وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِذَا وَجَدَ أَحَدُكُمْ فِي بَطْنِهِ
شَيْئًا فَأَشْكَلَ عَلَيْهِ ، أَخَرَجَ مِنْهُ شيء أَمْ لاَ . فَلاَ
يَخْرُجَنَّ مِنَ الْمَسْجِدِ حَتَّى يَسْمَعَ صَوْتًا أَوْ يَجِدَ رِيحًا )
رواه مسلم ( 362 ) .

وللفائدة طالعوا الفتوى رقم : (114793) .







لكن يجب التنبّه إلى أنّ المقصود بسماع الصوت ، وشم
الرائحة : الإشارة إلى التيقّن من حصول الحدث وناقض الوضوء ، أيا كان ذلك
الناقض .



قال الحافظ ابن حجر : " ودل حديث الباب على صحة الصلاة ما لم يتيقن الحدث ، وليس المراد تخصيص هذين الأمرين – أي الشم والسماع - باليقين " .



انتهى من " فتح الباري بشرح صحيح البخاري " ( 1/ 238 ) .











وفي " فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء " ( 5 / 255 ) :



" سؤال : هل كل ما يطلع من الإنسان من
رائحة مبطلة (أنا أعرف أنها مبطلة) ، لكن السؤال : متى تكون مبطلة ، أي هل
هي مبطلة عند الصوت والشم والحس معا ، أم عند الصوت والشم ولا يدخل معها
الإحساس ؟

أرجو أن تبينوا لي هذه المسألة وفقك الله تعالى ، لأن الأمر اختلط علي.




الجواب : الحمد لله وحده والصلاة والسلام على رسوله وآله وصحبه . . وبعد:



أن ما ذكرته من نواقض الوضوء : إذا تيقن على أنه خرج منه شيء ،
بسماع صوت أو وجود رائحة ، أو غير ذلك مما يحصل به تيقن خروج الحدث ، لقول
النبي صلى الله عليه وسلم لما سئل عن الرجل يجد الشيء في الصلاة قال :



« لا ينصرف حتى يسمع صوتا أو يجد ريحا » متفق على صحته " انتهى .





ثالثا :



هذه القاعدة – اليقين لا يزول بالشك – هي قاعدة عامّة ، وليست خاصة بالطهارة والصلاة .



قال الإمام النووي – رحمه الله تعالى - :



" وهذا الحديث أصل من أصول الإسلام ، وقاعدة عظيمة من قواعد
الفقه ، وهي أن الأشياء يحكم ببقائها على أصولها حتى يتيقن خلاف ذلك ، ولا
يضر الشك الطارئ عليها ، فمن ذلك مسألة الباب التي ورد فيها الحديث ، وهي
أن من تيقن الطهارة وشك في الحدث حكم ببقائه على الطهارة ، ولا فرق بين
حصول هذا الشك في نفس الصلاة ، وحصوله خارج الصلاة ؛ هذا مذهبنا ومذهب
جماهير العلماء من السلف والخلف ...







ومن مسائل القاعدة المذكورة : أن من شك في
طلاق زوجته ، أو عتق عبده ، أو نجاسة الماء الطاهر ، أو طهارة النجس ، أو
نجاسة الثوب أو الطعام أو غيره ، أو أنه صلى ثلاث ركعات أو أربعا ، أو أنه
ركع وسجد أم لا ، أو أنه نوى الصوم أو الصلاة أو الوضوء أو الاعتكاف ،
وهو في أثناء هذه العبادات ، وما أشبه هذه الأمثلة : فكل هذه الشكوك لا
تأثير لها ، والأصل عدم هذا الحادث .




وقد استثنى العلماء مسائل من هذه
القاعدة ، وهي معروفة في كتب الفقه لا يتسع هذا الكتاب لبسطها ، فإنها
منتشرة ، وعليها اعتراضات ، ولها أجوبة ، ومنها مختلف فيه " .

انتهى من " شرح صحيح مسلم للنووي " ( 4 / 49 - 50 ) .




وقال الشيخ ابن عثيمين - رحمه الله تعالى - :


" وهذه - أعني البناءَ على اليقين وطرحَ
الشَّكِّ - : قاعدة مهمَّة ، دَلَّ عليها قولُ النبيِّ صلّى الله عليه
وسلّم: « إِذا شَكَّ أحدكم في صلاته فليطرح الشَّكَّ وليَبْنِ على ما
استيقن » ، ولها فروع كثيرة جدًّا في الطلاق والعقود وغيرهما من أبواب
الفقه ، فمتى أخذ بها الإنسان انحلَّت عنه إشكالات كثيرة ، وزال عنه كثير
من الوَساوس والشُّكوك ، وهذا من بَرَكَةِ كلام النبيِّ صلّى الله عليه
وسلّم وحكمه.








وهو أيضاً من يُسْرِ الإِسلام وأنه لا يريد من المسلمين الوُقوعَ
في القلق والحيرة ؛ بل يريد أن تكون أمورهم واضحة جليَّة ، ولو استسلم
الإِنسان لمثل هذه الشُّكوك لتنغَّصت عليه حياته ؛ لأنَّ الشيطان لن يقف
بهذه الوساوس والشكوك عند أمور الطَّهارة فقط ، بل يأتيه في أمور الصَّلاة
والصِّيام وغيرهما ، بل في كلِّ أمور حياته ؛ حتى مع أهله ، فَقَطَعَ
الشَّارع هذه الوساوس من أصلها ، وأمر بتركها ، بل ودفعها حتى لا يكون لها
أَثَرٌ على النفس " .

انتهى من " الشرح الممتع على زاد المستقنع " ( 1/ 312 ) .

والله أعلم .







الاسلام سؤال وجواب

ليست هناك تعليقات: