الثلاثاء، 5 فبراير 2013

سيد العُباد صلى الله عليه وسلم

سيد العُباد صلى الله عليه وسلم
هنا نافلة من نوافل العبادات الجليلة..
بها تكفر السيئات مهما عظمت
وبها تقضى الحاجات مهما تعثرت
وبها يُستجاب الدعاء
ويزول المرض والداء
وترفع الدرجات في دار الجزاء
نافلة لا يلازمها إلا الصالحون،
فهي دأبهم وشعارهم
وهي ملاذهم وشغلهم تلك النافلة:
قيام الليل.
وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم
يحثُّ أصحابه على القيام
ويبين لهم فضله وثوابه في الدنيا والآخرة؛
تحريضاً لهم على نيل بركاته والظفر بحسناته
قال صلى الله عليه وسلم:
"عليكم بقيام الليل، فإنَّه تكفير للخطايا والذنوب،
ودأب الصالحين قبلكم، ومطردة للداء عن الجسد".
(رواه الترمذي والحاكم).
فما هي فضائل القيام، وما أسباب التوفيق إليه؟
ثمرات قيام الليل:
من ثمراته: دعوة تُستجاب وذنب يُغفر
ومسألة تُقضى وزيادة في الإيمان
والتلذذ بالخشوع للرحمن وتحصيل للسكينة
ونيل الطمأنينة واكتساب الحسنات
ورفعة الدرجات والظفر بالنضارة
والحلاوة والمهابة وطرد الأدواء من الجسد.
فمن منَّا مستغن عن مغفرة الله وفضله؟!
ومن منَّا لا تضطره الحاجة؟!
ومن منَّا يزهد في تلك الثمرات والفضائل
التي ينالها القائم في ظلمات الليل لله؟!
وهذه توجيهات نبوية تحض على نيل هذا الخير:
فعن عمرو بن عبسة رضي الله عنه أنَّه سمع
رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
"أقرب ما يكون الرب من العبد
في جوف الليل الآخر،
فإن استطعت أن تكون ممَّن يذكر الله
في تلك الليلة فكن"
(رواه الترمذي وصححه).
وعن أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه قال:
قيل:يا رسول الله، أي الدعاء أسمع؟ قال:
"جوف الليل الآخر ودبر الصلوات المكتوبات"
(رواه الترمذي وحسَّنه).
وعن أبي هريرة رضي الله عنه
أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
"ينزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة إلى السماء الدنيا،
حين يبقى ثلث الليل الآخر فيقول:
من يدعوني فأستجيب له، من يسألني فأعطيه،
من يستغفرني فأغفر له"
(رواه البخاري ومسلم).
فيا ذات الحاجة
ها هو الله جلَّ وعلا ينزل إلى السماء الدنيا
كل ليلة يقترب منا
ويعرض علينا رحمته واستجابته
وعطفه ومودته
وينادينا نداء حنوناً مشفقاً:
هل من مكروب فيفرج عنه
فأين نحن من هذا العرض السخي!
قومي أيتها المكروبة في ثلث الليل الأخير
وقولي: لبيك وسعديك
أنا يا مولاي المكروبةُ وفرجك دوائي
وأنا المهمومة وكشفك سنائي
وأنا الفقيرة وعطاؤك غنائي
وأنا الموجوعة وشفاؤك رجائي
قومي.. وأحسني الوضوء..
ثم أقيمي ركعات خاشعة..
وتيقَّني أنكِ موعودة بالاستجابة
فلا تعجلي ولا تَدَعي الإنابة..
فإنَّ الله قد وعدكِ إن دعوته أجابك،
فقال سبحانه :
( أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ..(
أتهـــــزأ بالدعــاء وتزدريه
ولا تدري ما صنع الدعاء
سهام الليل لا تخطيء ولكن
لها أمـــد وللأمـــد انقضاء
قم يا ذا الحاجة.. ولا تستكبر عن السؤال..
فقد دعاك مولاك إلى التعبد له بالدعاء
فقال سبحانه: (وَاسْأَلُواْ اللّهَ مِن فَضْلِهِ..(
وخير وقت تسأله فيه هو ثلث الليل الأخير.
ويد الله سبحانه مبسوطة للمستغفرين بالليل والنهار
ولكن استغفار الليل يفضل استغفار النهار
بفضيلة الوقت وبركة السحر؛
ولذلك مدح الله جلّ وعلا
المستغفرين بالليل فقال سبحانه:
{وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالأَسْحَارِ}.
وذلك لأنَّ الاستغفار بالسحر فيه
من المشقة ما يكون سبباً لتعظيم الله له
فقال لك: "من يستغفرني فأغفر له".
ويا صاحب النعمة
أقبل على ربك بالليل وأدّ حقّ الشكر له،
تأمَّل في رسول الله، لمَّا قام حتى تفطَّرت قدماه،
فقيل له:
يا رسول الله، أما غفر الله لك
ما تقدَّم من ذنبك وما تأخَّر؟
قال: "أفلا أكون عبداً شكوراً"
(رواه البخاري).
ما يعينك على القيام:
أولاً: الإقلال من الطعام:
فإنَّ كثرة الطعام مجلبة للنوم،
ولا يخف قيام الليل إلا على من قلَّ طعامه،
ولقد بيَّن رسول الله صلى الله عليه وسلم
حدود الشبع وآدابه، فقال:
"ما ملأ آدمي وعاء شراً من بطنه،
بحسب ابن آدم لقيمات يقمن صلبه،
فإن كان لا محاولة فثلث لطعامه،
وثلث لشرابه، وثلث لنفسه"
(رواه أحمد والترمذي،
وهو في صحيح الجامع برقم: 5550).
قال عبد الواحد بن زيد:
"من قوي على بطنه قوي على دينه،
ومن قوي على بطنه
قوي على الأخلاق الصالحة،
ومن لم يعرف مضرَّته في دينه من قبل بطنه
فذاك رجل من العابدين أعمى".
وقال وهب بن منبه:
"ليس من بني آدم أحبّ
إلى الشيطان من الأكول النوَّام".
وقال سفيان الثوري:
"عليكم بقلة الأكل تملكوا قيام الليل".
وجدت الجوع يطرده رغيف
وملء الكفء من ماء الفرات
وقِلُّ الطُّعْمِ عـــــون للمصلي
وكثر الطعم عون للسُّــــــبات
ثانياً: الاستعانة بالقيلولة:
فإنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم
قد وجَّه إلى الاستعانة بها ومخالفة الشياطين بها،
فقالوا: "قيلوا فإن الشياطين لا تقيل"
(رواه الطبراني وهو في السلسلة الصحيحة
برقم: 2647).
ومرَّ الحسن بقوم في السوق
فرأى صخبهم ولغطهم، فقال:
أما يقيل هؤلاء؟ قالوا: لا، قال:
"إني لأرى ليلهم ليل سوء".
وقال إسحاق بن عبدالله بن أبي فروة:
"القائلة من عمل أهل الخير،
وهي مجمَّة للفؤاد،
مقواة على قيام الليل".
ثالثاً: الاقتصاد في الكدّ نهاراً:
والمقصود به عدم إتعاب النفس
بما لا ضرورة منه، ولا مصلحة راجحة،
كفضول الأعمال والأقوال ونحوها،
أمَّا ما يستوجبه الكسب
والحياة من الضروريات،
ولا غنى للمرء عن الكد لأجله؛
فيقتصد فيه بحسب ما تتحقق به المصالح.
رابعاً: اجتناب المعاصي وتركها:
فالمعصية تقعس عن الطاعة،
وتوجب التشاغل عن العبادات،
وتحرم المؤمن التوفيق إلى النوافل والفضائل،
ولذلك تواتر عن السلف القول
بأنَّ المعاصي تحرم العبد من القيام.
قال رجل للحسن البصري:
يا أبا سعيد:
إني أبيت معافى، وأحبّ قيام الليل،
وأعد طهوري،
فما بالي لا أقوم؟ فقال: "ذنوبك قيدتك".
وقال الثوري:
"حرمت قيام الليل خمسة أشهر بذنب أذنبته".
قيل: وماهو؟
قال: رأيت رجلاً يبكي،
فقلت في نفسي: "هذا مُراء".
وقال رجل لإبراهيم بن أدهم:
إني لا أقدر على قيام الليل فصف لي دواء؟
قال:
" لا تعصه بالنهار، وهو يقيمك بين يديه بالليل،
فإنَّ وقوفك بين يديه في الليل من أعظم الشرف،
والعاصي لا يستحق ذلك الشرف".
خامساً: سلامة القلب عن الأحقاد على المسلمين
ومن البدع وفضول هموم الدنيا،
فإنَّ ذلك يشغل القلب
ويضغط عليه فلا يكاد يهتم بشيء سواه.
سادساً: خوف غالب يلزم القلب
مع قصر الأمل،
فإنَّه إذا تفكَّر أهوال الآخرة ودركات جهنَّم
طار نومه وعظم حذره.
سابعاً: الوقوف على فضائل القيام وثمراته
فإنَّها تهيج الشوق وتعلي الهمة
وتحيي في النفس الطمع
في رضوان الله وثوابه، وقد تقدَّم ذكر أهمها.
ثامناً: وهو أشرف البواعث:
حبَّ الله وقوة الإيمان؛
لأنَّه في قيامه لا يتكلم بحرف
إلا وهو مناج به ربه ومطلع عليه،
مع مشاهدة ما يخطر بقلبه،
وأنَّ تلك الخطرات من الله تعالى خطاب معه،
فإذا أحببت الله تعالى أحبّ
لا محالة الخلوة به وتلذذ بالمناجاة؛
فتحمله لذة المناجاة للحبيب على طول القيام.

ليست هناك تعليقات: