الاثنين، 19 نوفمبر 2012

ابن رمى أمَّه بالصَّحراء لخرفها

كان عرب يسكنون الصَّحراء طلبًا للمرعى لمواشيهم، ومن عادة العرب التَّنقُّل من مكانٍ إلى مكانٍ حيث يوجد العشب والكلأ والماء، وكان من بين هؤلاء العرب رجلٌ له أمٌّ كبيرةٌ في السِّنِّ وهو وحيدها، وبدأت هذه الأمُّ تفقد ذاكرتها في أغلب الأوقات نظرًا لكبر سنِّها، فكانت تهذي بولدها فلا تريده يفارقها، وكان هذارتها (تخريفها) وتصرفاتها معه تضايق ولدها، ويرى أنَّ ذلك يحطُّ من قدره عند ربعه! هكذا كان نظره القاصر.

وفي أحد الأيَّام أراد عربه أن يرحلوا لمكانٍ آخر، فقال لزوجته: اذا شدينا غدًا للرَّحيل، اتركي أمِّي بمكانها، واتركي عندها زادًا وماءً حتَّى يأتي من يأخذها ويخلصنا منها.. أو تموت!
فقالت زوجته: أبشر.

شدَّ العرب منَ الغد ومن بينهم هذا الرَّجل وزوجته وطفلهما الوحيد وهو بكرهما، والَّذي كان والده يحبُّه حبًّا عظيمًا. وتركت الزَّوجة أم زوجها بمكانها كما أراد زوجها، ومعها الزَّاد والماء، وتركت ولدهما الوحيد معها!

سار العرب في تنقُّلهم، وفي منتصف النَّهار نزلوا يرتاحون وترتاح مواشيهم للأكل والرَّعي، حيث إنَّهم منذ طلوع الشَّمس وهم يسيرون، وجلس كل مع أسرته ومواشيه، فطلب هذا الرَّجل ابنه ليتسلى معه.
فقالت زوجته: تركته مع أمِّك، لانريده.
قال صائحا: ماذا؟!
قالت: لأنَّه سوف يرميك بالصَّحراء كما رميت أمَّك.

فنزلت هذه الكلمة عليه كالصَّاعقة، فلم يرد على زوجته بكلمةٍ واحدةٍ لأنَّه رأى أنَّه أخطأ فيما فعل مع أمِّه، فأسرع وأسرج فرسه، وعاد لمكانهم السَّابق مسرعًا، عساه يدرك ولده وأمَّه قبل أن تفترسهما السِّباع، لأنَّ من عادة السِّباع والوحوش الكاسرة إذا شدَّت العربان عن منازلها، تخلفهم في أمكنتهم فتجد بقايا أطعمة فتأكلها.

وصل الرَّجل الى المكان، واذا أمُّه ضامةً ولده الى صدرها مخرجة رأسه للتَّنفس، وتدور الذِّئاب حولها تريد الولد لتأكله، والأم ترميها بالحجارة، وتقول لها: اخزي.. هذا ولد فلان.
وعندما رأى الرَّجل ما يجري لأمِّه مع الذِّئاب، قتل عددًا منها ببندقيته وهرب الباقي، ثمَّ انكبَّ على أمِّه يقبل رأسها عدَّة قبلاتٍ وهو يبكي ندمًا على فعلته، ثمَّ حمل أمه وولده وعاد بهما الى قومه.
وأصبح من بعدها بارًّا بأمِّه لا تفارق عينه عينها، وصار إذا شدَّت العرب لمكانٍ آخر، يكون أوَّل ما يحمل على الجمل أمَّه، ويسير خلفها على فرسه، كما زاد غلاء زوجته عنده لفعلتها الذَّكيَّة، والَّتي علمته درسًا لن ينساه أبدًا.

ليست هناك تعليقات: